arablog.org

” وطن ” في بيروت !

LEBANON-GENERAL VIEW
في لبنان قبل أربعة أعوام كان عليك أن تبذل مجهوداً مضاعفاً للتعرف على دين أو طائفة من تقابلهم في طريقك ، لا تحتاج الوقت الطويل لتكتشف أن اللطافة ، الذوق ، و حسن المظهر هي الأديان الثلاثة التي يعتنقها معظم اللبنانيون ، لا أعرف إن كان الأمر تغير الآن ، إذ يبدو أنه قد فعل ، فحينها كان فضل شاكر لبنانياً صرفاً ، بإمكانه أن يبتسم و يرد بأناقة على صبايا يستهويهن اللون الفضي في الرأس و يعشقن صوتاً يغني بعذوبة اعتدناها ” أنا شتقتلّك ، أنا بحنّلك ” .. الآن هو الشيخ المجاهد السني ، لا يمكن لصوته أن يرافقك في مشاويرك إلى الجبل ، و بالكاد تتعرف إليه حين يظهر متوعداً حزب الله و حركة أمل بالموت ، في آخر لقاء له كان يقول أنهم سرقوا له مليون دولار ، كان قد جمعها من الغناء غالباً ، بالتحديد من تصفيق الأيادي التي لم يكن يشغل باله في فرزها إلى سني وشيعي و درزي و ارثودوكسي .. الخ

بإمكان المرء أن يراجع خياراته في الحياة و هذا شأن صحي و طبيعي ، ” الحية التي لا تغير جلدها تهلك ، و كذلك الإنسان الذي لا يغير أفكاره ” يقول نيتشه ، بإمكان المرء أيضاً أن يختار شكل علاقته بالله ، و هذا شأن بديهي آخر ، لكن أن يتحول هذا الاختيار إلى عدائية تجاه الآخر بخياراته المغايرة؛ فهذا مالم يأتِ به دين و لا عرف و لا قانون ،

تعرف مدى لياقة المجتمع و تجانسه بمستوى ليونة قاطنيه ، بالتحديد حين لا يمكنك التمييز بين انتماءاتهم العقائدية قبل أن تقع في غرام أوطانهم أولاً ، حين لا يسمحون لزائرهم أن يتحول إلى فرّازة أو غربال ينخلهم من خلاله كيف ما شاء، تعرف أنك في مجتمع متعايش حين تعرّف أناسه بتعريف بلدانهم ، هذا لبناني ، هذا مصري ، هذا تونسي و لا تنسى أن تغلق الخط بنقطة كبيرة بعدها  وتكتفي ،

لا أنسى أبداً موقف سائق التاكس الذي رافقنا إلى معرض الكتاب في بيروت ، لم يكن لدينا ليرات يومها و طلبنا منه أن يغير لنا الدولارات لنعطيه حقه ، لم يكن يملك المبلغ ، و لم يرد أن يزعجنا بالأمر ، بدا واثقاًُ وهو يعرض علينا أن نترجّل و نعطيه عنوان الفندق ليأتي هو في وقت آخر و يأخذ ” المصاري ” ، لم نصدق ما سمعناه ، و لولا أن صوت المحرك كان قد دار فعلاً بعد جملة ” تكرموا أهلا و سهلا فيكن بلبنان ” ، لما انتهينا من نوبة فغر الأفواه التي تلبستنا .

رافقنا ” أبو بلال ” بعدها في كل مشاويرنا تقريباً ، كان رجلاً كريماً و شهماً ، يحب لبنان و يضعها في كل جملة من حديثه ، يحب أيضاً المقاومة اللبنانية و يتحدث باعتزاز عن انتصاراتها على اسرائيل.  كان يحيي نقاط الجيش كلما مررنا بواحدة ، يصرخ بحماس المنتصر ” يعطيكن العافية يا وطن ” ، لم نفكر أن نسأل أبو بلال عن طائفته ، لم يبد الأمر مهماً حينها ، لكني و للأسف أفكر الآن هل كان أبو بلال شيعياً أم سنياً ؟

السؤال لوحده نذير خطر و شؤم ، و لكنك حين تفوح رائحة الكراهية من كل اتجاه ، تحب أن تعرف موقعك في نفس أشخاص مروا في ذاكرتك يحملون المودة ، أحبُ حقاً أن أعرف الآن إن كان أبو بلال شيعياً هل لازال قادراً على الترحيب بنا كالسابق ، هل إن كان سنياً لازال يحب المقاومة ويسمي الجيش ” وطن ” ؟!

أتمنى أنه بخير و لازال الرجل اللبناني الكريم و الشهم ، الذي يحب لبنان و يضيفها إلى كل جملة وهو يتحدث إلى زبائنه .

1 Comment

  1. يحيى توك

    رائعة !

    Reply

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *