arablog.org

يوثانيجيا !

dr__euthanasia_logo_by_deagon01-d66i4t7

وقفتُ ذات مرة ساعةً كاملة أمام حضّانة طفلٍ استدعي كل أسباب الإلهام لأجل قرارٍ فرديٍ لا تحكمه بروتوكولات عمل ، بقدر ما يحكمه الضمير ، حتى في أكثر المؤسسات الطبية العالمية اعتماداً على ” الميدكال إثيكس ” ، أو أخلاقيات العمل الطبي ،

الموضوع طفل وُلِدَ بعيوبٍ خلقيةٍ فظيعة ، عيبٌ كبيرٌ في جدار البطن جعل الأمعاء تتدلى خارجاً مكشوفة لاحتدامات بكتيريا و ميكروبات الجو ، و عيب كيسي كبير في الظهر جعل من مسألة وضع الطفل على جانب ما لينام عليه معضلة وجودية ،
رأى الجراحون ان العيب الخلقي هذا أكبر من المقدرة على الإصلاح ، اذ أن جوف الطفل أصغر من ما تدلى خارجاً و ادخاله سيضغط على بقية الأعضاء و يؤدي في النهاية للموت و بقاءها خارجاً للأبد أمر مميت أيضاً و حتماً ،
لذا بات القرار النهائي بشأنه ” انتظار الموت ” ، الذي بدا و كأن كل الطرق تؤدي اليه ،

في انتظار الموت مرّ بقارعته التهابٌ رئويٌ و تسممٌ دمويٌ حاد ، تداعت وظائفه فجأة و كان لابد في حالة كهذه و مع اي مريض غيره اتخاذ اجراءات طبية متقدمة ، كوضعه على تنفس اصطناعي و اعطاء دم و بلازما و تدعيم اجهزته و دورته الدموية بادوية ،
قرار كهذاكان سيقف في طريق موت محتم لبعض الوقت لا أكثر ، و يزيد من عذابات طفل مسكين ، لكنه في المقابل يعفي ضميرك كطبيب في فكرة التقصير مع حياته ، أي أن عليك في النهاية أن تختار بين عذاب طفلك المريض جداً و عذاب ضميرك !

اخترتُ الأولى مخافة أن أدخل في أي تماس مع فكرة القتل الرحيم ،أو “اليوثانيجيا” ،

لا أكتب هذا استجلابًا لمشاعر سيئة و جارحة ، لكني شعرت بعمق اللحظة عندما عشتها ،لست وحدي في هذا فهناك الآلاف حول العالم يعايشونها يوميًا، مع إن اليوثانيجيا لا تحظى بدعم عالمي كبير ، رغم وجود بعض المنظمات التي تدعمها ، إلا أنها أحد أنشط مواضيع البحث في الفلسفة الوجودية ،و إحدى أهم نقاط الصدام بين الفكر الروحاني و المادي ، تخيلوا فقط لو ينشغل علماؤنا و شيوخنا لتفريغ هذه المواضيع بدلاً من الولع بطول اللحية و فقه النكاح و نواقض الوضوء !

مع أن الموقف في حالتي كان بعيدًا كل البعد عن فكرة اليوثانيجيا ، إذا أني وقفت في طريق موت محتم و لم أفتعل أسبابه ، بالمعنى الفعلي ؛اخترت راحة ضميري على عذابات كائنٍ حيٍ آخرٍ ، ليس بسبب هاجس ” اليوثانيجيا ” التي أكرهها و لا أؤيدها تحت أي بند ، ليس لأجل حرمانيتها الدينية فقط و لكن لأجل امتهانها لفكرة الأمل و مقاومة المرض و الوقوف في وجهه بشجاعة حتى النهاية ،

أو لعله إيماناً بالمعجزات على استحالة حدوثها .

1 Comment

  1. yasserzareaayasserzareaa

    أظن انك ستنظرين طويلاً فهؤلاء لا يريدون اشغال ادمغتهم بأمور مثل هذه فمعاناة الناس لا تعني لا كثيراً ولا قليلاً،هم مجرد ألة تسجيل حفظوا بضعة كتب ( يطرشونها..معذرة !! ) عندما يشاءوت ولكن إعمال العقل ذلك دونه خرط القتاد ( كما يقال ) فهم ليومنا هذا غير متفقين على التبرع بالدم ونقل الأعضاء..فما بالك بمسئلة كهذه..انت تطلبين المستحيل 🙂

    Reply

اترك رداً على yasserzareaa إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *