arablog.org

إمسك حرامي !

1146902430n8

إن كنتَ لئيماً ماراً من أحد شوارع القاهرة ، و رأيتَ أحدهم يجري لسبب لا تعرفه ، اطلق صرختك ” امسك حرامي ” ، سيتحول الأمر في غضون أجزاء من الثانية إلى استنفار جماعي و سيتسابق كل من في الطريق لحيازة فرصته التاريخية و إفراغ غل السنين على رأس المسكين ، لا يهم أحياناً معرفة الحيثيات طالما و الجلبة حاضرة ليثبت الغرباء نزاهتهم تجاه غريب آخر لا يعرفهم كثيراً ، و لا يعرف ما السبب الذي أوقع فكرة اللياقة البدنية في ورطة عمرها ،

قبل يومين أطلق أحدهم صرخة مشابهة ، و لكنهم كانوا مجموعة من ثلاثة تجري و اقتفى الشارع كله أثرهم ، بدا مظهرهم شبيهًا بعصابة ما ، وقع أحدهم في القبضة و توقف الجميع لاقتناص الفرصة التاريخية ، اختفى الفتى تحت ركام البشر المهول ، و كان المارة من أجزاء الشارع يتقاطرون بدوافع مختلفة لضربه ، وصل صراخ النساء المشاركات في الحدث مداه ، حتى إن إحداهن ظلت تصرخ ” يالهوووووي يا خراااابي ” و كانت قد أتت أخيراً و لا فكرة لها عن شيء ،
كانوا ثلاثة تتذكرون ؟ .. لم يتذكر أحد البقية الهاربة فور وقوع الفأر وحيداً في المصيدة ، ربما لأن البعض يفكر أنه من المنصف جداً المشاركة في المشهد الكبير ، عوضاً عن تحقيق عدالة لا تصنع مجدًا كما أنها غير مضمونة النتائج ،

في طريقي خارج هذه الحادثة ، انشغلتُ بفكرة مقولة مارثن لوثر كنج : ” العدالة تبرأت من أي مكان يُضعِف العدالة في كل مكان ” ،
يحب البعض تحريف الأمر على الطريقة العربية ليصبح : ” المساواة في الظلم عدل ” ،

و رغم هذه أو تلك رحتُ أقارب مشاهد الحياة ببعضها ؛ و جدت أن المجتمعات العربية تتشارك بهذه الخصلة ، العين الدرامية التي تعصر زووم الكاميرا على مساحة الأكشن وحدها ، ذلك المشهد الذي ينقض فيه الناس على أحدهم وتنسل كل الرماح طعناً فيه تاركين باقي المشهد يمضي دون أدنى ضابط ، بعبارة أكثر واقعية ؛ بقاء المنظومة التي تعمل بكل فسادها و لكن دون الحرامي الأكبر الذي وقع وحيداً في الفخ ، أو الحرامي الأصغر الذي يتحوّل في بعض الأحيان كبشًا للفداء،وعلى طريقة “إمسك حرامي” الشهيرة أيضاً ؛ الضرب أولاً ثم المساءلة ،

قديماً قالوا ” ما لا يدرك كله لا يترك جُلّه ، إلهي ! كم نحن بحاجة لتنفيذ هذا المبدأ الأصيل ، إسقاطاً على ما نحن بصدده ؛ يعني البحث عن باقي العصابة ، اجثتات الفساد من أوله حتى آخره ، الفساد الواقع في أنفسنا ، أدائنا العام ، أدائنا كفريق عمل ، كأسرة ، كمجتمع ، كأمة ، لنقل أننا بحاجة لصناعة عدالة تنصف الجميع و تضع عيناً على الكل ، عدالة على طريقة “إمسك منظومة فساد ” !

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *