arablog.org

في رثاء صديقتي التي انتصرت على السرطان !

bnatsoft.com1395224981445

صديقتي انتصرتْ على السرطان أخيراً ، موتاً ، لا يهم ، الأهم أنها انتصرتْ ، بشهادة 5 سنوات من النضال الشاق ، الأمل الجميل ، الابتسامة الحانية تلك التي لم تفارقها حتى و هي تخرج من أشد غرف العمليات وحشة و خطورة ،

تعرفتُ على معالي لأول مرة قبل زهاء الست أعوام ، كانت ساحرة بشكل لا يقاوم ، ودودة كنسمة ، دافئة كشمس ، طيبة كأم ،

أحبّها الجميع ، و كرّسنا لها ماتبقى في أرواحنا من أمنياتٍ و صلواتٍ ، جاءتْ للقاهرة بعد إجهاض طفلها الأول ، ممتلئة بالحياة و السخرية من الهموم ، لغرض عمل فحوصات ، على الأقل هذا ما قالته لدى أول لقاء لنا ،

لم تكن تعترف بالمرض ، و لم تكن تعرف أن ما ينتظرها سيأخذها أبعد من فكرة الفحوصات ، و أبعد من أمنيات الحمل مرّة أخرى ، حتى بعدما عرفتْ ما كان هذا ليغير فيها من شيء ، ببساطة لأنها معالي ؛ ابنة الأقدار الحسنة، تلك التي تصنعها بنفسها !

غادرتْ القاهرة أول مرة و هي تناضل الخلايا المجنونة في جسدها الأسمرالدفيق ، خبز الأرض ، و روح لحج الخضيرة ، خدعتنا بقوتها فظنناها بخير ،لكن يبدو أن السرطان أحبها هو الآخر و أخذ يشاركها حبّات عمرها الفتي ، فتكًا،

عادت بعد ذلك إلى القاهرة مرة أخرى ، كانت هزيلة جداً ، و عنيدة جدًا ، أقل مرحًا مما سبق ، تجتر ذكرياتها و تتشاركها معي بنهم و كأنها تريد أن تفرغ جعبتها و تودع مكنوناتها في مكان تطمئن له ، تركها زوجها الذي أحبته ، صحبتها أمها في رحلتها هذه المرة ، أمها التي لم تكن قد فاقت بعد من صدمة خسارة ابنها الوحيد في حادث سيارة ، هاهي توشك على خسارة ابنتها الوحيدة أيضًا ، لازلت أتذكر دموعها الحرّى و هي تتلقى إفادة الطبيب بأن الأمل بات معدوماً في حالة معالي ، كانت الخلايا السرطانية قد استوطنت كبدها ،

كم أحببتها خالتي الشريفة أفراح ، رغم كل أحزانها كان اسمها أفراح ، ياللمفارقة !

غادرت معالي القاهرة للمرة الثانية ، تحمل على عاتقها معاندة أقوال الأطباء مرة أخرى ، على أمل أن تتمكن من السفر إلى ألمانيا ، بلد المعجزات الطبية ، أو هكذا ظنت ، ودعتها و أنا أفتح نافذة للأمل بعيدًا عن معلوماتي الطبية و قريبًا من يقيني بعزيمتها ،

ماتت معالي وحيدة في المانيا بعد عامين من آخر لقاء لنا،أخذتني الحياة بزيفها عنها، كانت كل معلوماتي عنها تقول أنها تقيم في مستشفى خيرية هناك ، حتى عرفت خبر مغادرتها نحو السماء مصادفة في حفلة عرس . آخ يا ” معالي ” ، دائما تتخيرين الأماكن الأبهج كقلبك ،

من يدري كيف متّي هناك ، هل أمسك أحدهم بيدك ؟ هل لقنك أحد الشهادة ؟ هل مررنا بذاكرتك وقتها ؟.. أشعر بحزن غائر و غضب أشد من عجز بشريتنا تجاة سماويتك ، آسفة نيابة عن كل الأطباء و الأخيار في هذا العالم ، آسفة لأنني لم أستطع أن أفعل شيئا حينما سمعت همستك للقدر خلسة قبل سنتين ” انظرني حتى يكتمل عقد الأحلام ” ،
هل اكتمل ؟
لا أظن ،
لكنّك تكمّلينا ، هذا الأكيد .

رحمك الله رحمة تغشاك ، أسكنك الله في أعلى العليين .

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *