arablog.org

وقوف على حافة الحياد !

20073521

قريب لي أخبرني مذهولاً بأنه في إحدى محطات القطار في دولة أوروبية جن جنون المنتظرين لأن فأراً وقف على حافة السكة الحديد و القطار على وصول و هرعوا مذعورين لتبليغ المسئولين لتأخيره ، أعني القطار ، حتى يتسنى للعامل النزول لإبعاد الفأر ، و هذا ما حدث فعلاً وسط تصفيق و فرح غامر.
و هو فأر!!

في الطرف الآخر من هذا العالم ، شاهدتُ قبل فترة ليست طويلة فيديو لرجل في أحد شوارع الرياض يقتل عاملاً هنديًاً ويصوره أحدهم ، طَعَنَهُ في وسط شارع عام حتى غرق في دمائه ومشى بأريحية مبتعداً كأن شيئاً لم يكن ، كأن أحداً لم يرَ ، حتى لكأني رأيت الشيطان يرتعش وجلاً.

بقدر ما كان المنظر مقززًا ووحشيًا إلاّ أن معظم الهزة النفسية التي تملكتني كانت من ردة فعل الشارع الساكن تجاه حادثة كهذه ، أعني فكرة أن يمتص المارّة بسلاسة ونعومة حادثة قتل علنية أمر لا يحدث إلا في مجتمعات أصبحت تمارس الحيادية كمنكر و خطيئة.

أشعر بغثيان حقيقي لا يمكن تصوره ومثلي كثيرون ونحن نشاهد مناظر الدمار والقتل والذبائح البشرية هنا وهناك في بلاد العرب، أمة الوسط وأرض الأنبياء، نستشعر رائحة الغابة وقوانينها، نحن في غابة صدقوني، حيث التعايش هو المساحة بين مخلبين، و أطول أنواع الصبر يسكن بين نكزة الجوع و لحظة الانقضاضة.

أمام كل هذا نجد النخبة العربية منقسمة على نفسها، الطوباويون، المرتزقة، والمحايدون، يبقى الطوباويون أقل الضررين وأهون الشرين.

أما الارتزاق فمرض لا يسعنا علاجه إلا بمصل القانون، وتصدّر الحيادية نفسها في وقت فاصل كهذا كجريمة، قد لا تعاقب عليها القوانين لكن التاريخ يفعل ، يكتب عنها كأسهل طريقة للتخلي عن التفكير و تحمل مسؤوليته ، بل هي موقف المتخاذلين عمومًاً وعلى مر العصور.
“إن أسوا مكان في الجحيم مخصص لأولئك الذين يقفون على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى” يقول مارتن لوثر كنج

مررتُ ذات مرّة في أحد شوارع القاهرة بإثنين يتحدثان عن أمر النزول الى الميدان ( لا أعلم أي ميدان بالتحديد )، كان ذلك في الوقت الذي كانت مصر تعيش احتدامات ما بعد الثورة وبدأ اليأس يتسلل إلى نفوس رعيل التغيير وانتقل كثير منهم إلى دكة الحياد.
أحدهما بدا محايدًا بدوره، قال ياعم ” اشتري دماغك من أم الليلة “.
أجابه رفيقه ” عليا النعمة البلد ما فلّست إلا من كتر الناس اللي بتشتري ف دماغاتها دي “.

بدت جملته مضحكة و عميقة في آن واحد، إذ أن الإفلاس و الحياد نتيجة و سبب يفضي أحدهما إلى الآخر، أتذكر بمناسبة هذا النوع من الكوميديا السوداء ذلك الرجل المخدور الذي كان يمشي في أحد الأزقة ليلًا وكان القمر قد استوت هيئته، سأله صاحبه عن نفس الشيء المستدير في حضن السماء :
هي دي شمس و الاّ قمر ؟ ،
أجاب بكل حيادية : أنا مش من هنا !

سناء مبارك

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *