arablog.org

عيد ميلادي !

sana

لاشيء يستحقُ الثرثرة عندي اليوم سوى ذكرى ميلادي، لديّ اثنان منها أحدها في الثامن عشر من الشهر الثامن وهو ما تحلِفُ عليه جارتنا العجوز التي فقدت ذاكرتها نهائياً، و ثانيها في التاسع عشر وهو ما دُوّن في الأوراق الرسمية التي لا أصدقها أبداً.
في البدايات كانت أعياد الميلاد خاصتي هي المناسبة الأعظم والأقدس في كل السنة، ذلك أن تلك اللحظة التي يغني فيها أصدقائي ” سنة حلوة يا جميل “، كانت تقلّص كثيراً المساحة المأكولة في قلبي، التي ظلّت تلتهمها أغنية ” سارة سارة ، امورتي الحلوة سارة ” التي غناها ( محمد الحلو) يوما لأختي ولم يشملني بها لعداوة كامنة في نفسه تجاهي ، على الأقل كان هذا ما اعتقدتُه واقتنعتُ به ووقفتُ به أمام ضميري حتى الأخير، لم يكن أمامهم في البيت إلا أن يجتهدوا ليقنعوني في المقابل أن النسخة الأصلية لأغاني أعياد الميلاد ماهي إلاّ ” سناء حلوة يا جميل ” ، وكانت هذه أسهل عملية إقناع في التاريخ.

الآن تمر أعياد الميلاد مرور الكرام، ذكرى الميلاد بالنسبة للإناث بعد الخامسة والعشرين (كحد زمني نسبي) لا تهم إلاّ بما يمكنها اعتباره نصراً لصريع آخر من الأعوام، والخروج بأقل قدر من التجاعيد و الشعرات البيضاء والضغوطات العاطفية والهزائم العملية أو الأكاديمية أو النقيض على النقيض، أعني انهزاماً بطعم النصر الذاتي أمام المطالب المجتمعية المتصاعدة بخطٍ أفقي لا ينتهي إلى رضا ..

في مجتمعنا إن كنتِ عازبة، متى تتزوجين؟ إن تزوجتِ، متى تنجبين ؟ إن أنجبتِ، متى يكتمل فريق كرة القدم الذي ينبغي أن تنتجيه ؟ و إن كنتِ ” ست بيت ، لم لا تعملين ؟ و إن عملتِ ، لم لا تكونين ست بيت؟ وإن حدث كل شيء، فلابد أنك فعلتِه بطريقة غير مرضية، فأنتِ أنثى في النهاية، والمجتمع يمارس وصايته الشريرة عليك طوعاً أم كرهاً، وكمبدأ لا يتجزأ.

أعياد ميلادنا لم تكن تعني في الحقيقة عندما كنا صغاراً- أنا و سارة – سوى شيئين، أن يأتي عمي مساءً من المكلا الى عدن كنوع من ” المفاجأة ” التي كنا نترقبها طوال اليوم، ونتفاجأ بها في النهاية كما يفترض، ونتقافز نحو كتفيه الشاهقتين في موعد لا يمكن أن يتجاوزه هو مهما حدث.

الشيء الآخر أن لا يأكل اسمانا المرسوم على كعكة الميلاد أي أحد آخر في هذه الدنيا، فتتحول الحفلة بعد تقسيم الكعكة إلى دورية عسسية لتفقد أحوال القطع الموزعة وأن لا أحد فيها يشمل ما اتُفــِق على مراقبته بحزم.

أعرف بالتحديد الآن الفاصل الزمني الذي نكّس زهو أعياد الميلاد القديم، كان هذا قبل 6 سنوات أو تزيد قليلاً، عندما مات عمي الذي لطالما تخيلتُ أنه لايموت إلاّ واقفا كالأشجار تماما ً، كان هذا ماحدث بالفعل، مات واقفاً وهو يقطف الثمار في مزرعته في (غيل با وزير ) دون أي مقدمات، رجل المفاجآت لا يُمهّدُ له الموت، ولا يترك لنا فرصة التخلّي عن عنصر المفاجأة التي صنعت جوهر علاقتنا العشقية به كلها.
على الأقل بعد موته احتفظتُ باسمي منقوشاً في مكان أعرف أنه لن تصل إليه أي أيادٍ، هكذا أطمئنُ إلى أنه سبقني إلى الأرض، أو ربما إلى السماء.

لا أريدُ اجترارَ الأحزانِ الآن، لا مكان لها في الحقيقة فيما أمتلكه، فأنا أودّعُ عاما ًكان الأجمل منذ سنواتٍ طويلة، أمتلكُ إنجازاً أكاديمياً سعيتُ له كثيرا، أملُكُ أصدقاءً لا يقدرون بثمن، وعائلةً هي الأجمل، وأبواباً مفتوحة على مصراعيها، لطالما اعتقدت أنها خُلقت بلا مفاتيح.
الحمدلله !

4 Comments

  1. zinegheboulizineghebouli

    بداية عيد ميلاد سعيد 🙂 شعرت ببعض الحيرة و أنا أقرأ التدوينة، ليس لعدم استيعابي لها و لكن للمعاني العميقة التي تحتويها. لدي تعقيب بسيط حول الفقرة التي تحدثتِ فيها عن وصاية المجتمع على المرأة. هي بالفعل وصاية غير مقبولة منطقيا لكن لها حججا في عقول المتخلفين من أبناء شعوبنا. الكل يعتبر أن كرامته و شرفه من شرف المرأة و هذا ما يحول هذه المراة من إنسان له كل الحقوق و عليه كل الواجبات إلى سلعة يمتلكها الذكور و يشعرون بوساطتهم عليها. كم أكره هذا الفهم السطحي للأنثى! عيد ميلاد سعيد مجددا 🙂

    Reply
    1. sanamobaraksanamobarak (Post author)

      شكرا جزيلاً ، أتمنى لو أعرف تحديداً مفاد كلمة ” حيرة” التي تفضلت بها لتصف انطباعك ، و أجدني اتفق معك تماماً فيما تبقى ، كل الود .

      Reply
      1. zinegheboulizineghebouli

        العفو، مفادها تحديدا هو الشعور بحيرة اتجاه المجتمع الذي لا يزال يعتبر المرأة كجارية يستغلها و يستغل جسدها و فقط و يمارس سلطة عليها. لقد أخذتني تدوينتك إلى تفكير عميق حول هذه المشكلة العويصة التي نعاني منها في مجتمعنا الذكوري.. و لذلك قلت حيرة: حيرة لأن هذه التصرفات لازالت موجودة.

        Reply
  2. محمد ابراهيمebrahimsharaf

    هذا واقعنا العربي الذي يجب تغيره بتغير افكارنا

    Reply

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *