arablog.org

أنصاف الحقائق !

نصف-الحقيقة

في رواية ” الفسكونت المشطور ” لإيتاليانو كاليفينو” ، ينشطر بطل الرواية “فسكونت تيراليا” بقذيفة أثناء الحرب ، قسمٌ منه يحمل الشطر الخيّر و يتداعى في أحداث شديدة الكارثية ، و القسم الآخر يذهب بالشر كله و يخلف ما خلفه نظيره ، و المشكلة أن لا شطر يعتقد فعلاً أنه يعاني من أي خطب ، يخلص الأمر في النهاية إلى أن الخير المطلق كارثي النتائج ، و الشر المطلق يساويه في السوء ، و أن المزيج المتزن بين الإثنين هو الأجدى لكل شيء ، أي المزيج بين كل التضادات ، و تخفيف بعضها بماء بعض،

في منهج التوحيد كان إيليا أبو ماضي يُقدم لنا على أنه الزنديق الضال صاحب الأبيات الوجودية الملحدة ” جئت لا أعلم من أين ، و لكني أتيت ” ،
كانت تقف شعرات قطط الزقاق و هي تسمعنا نذاكر أنا و صديقتي هبة ، نقرأ للزنداني يتصدى لأبي ماضي و يسحله فكرياً بعته في كل سطور المنهج ، يرميه بصلف خارج كل الاعتبارات الفلسفية و التساؤلات المشروعة ، ليتلقفه مؤلفو مناهج اللغة العربية و يتوجوه ملك الأبيات الإنسانية الرقيقة و العبقرية الشعرية و الفكرية ،
يحدث هذا في السنة الواحدة و الفصل الواحد و ربما حتى قبل أن يضرب جرس الفسحة في اليوم الواحد ،والمسألة مطروحة لكل الإسقاطات الممكنة في عملية تربوية تعكس حال عالم عربي كامل يتأرجح بين التضاد دوماً ، و لأمه وسط غادرت موقعها منه منذ أمد ،

ما يحدث من عنف و استبداد و ديكتاتورية على كل أشكالها المؤدلجة و غير المؤدلجة ماهي إلاّ ربائب و بنات أفكار لأشخاص يعتقدون أنهم أولياء أمر الصلاح و الحق ،

اليوم يعتقد الإخوان المسلمون أن سر الله وضع فيهم ، و يعتقد الليبراليون أن نياشين الحرية و التفكير وهبت لهم ، يتناسى الجميع أن من يقضي حياته و هو يربي الحقائق على أنها مُطلقة تجحده في النهاية.

يحدث ذات الشيء لأنصاف الحقائق ، تلك التي تظهر مغرية أكثر من اللازم أحياناً

يذكرني الحديث عن أنصاف الحقائق بما أخبرني به أحد الأصدقاء في حديث عن السياسة أن تشرشل مر على قبر ذات يوم فوجد عليه عبارة ” هنا يرقد رجل نبيل و سياسي عظيم ” فضحك ساخرا و قال ” كيف يرقد رجلان في قبر واحد ؟! ” ، أعجبني دهاء الرجل حينذاك و كانت القصة مثالية في توصيف علاقة الأخلاق بالسياسة ، لكن هذه الدهشة غادرتني على عُكاز عندما عرفت أن هذا الضريح لم يكن سوى قبر الـ ” مهاتما غاندي”

1 Comment

  1. yasserzareaayasserzareaa

    صحت اناملك وعقلك المتأمل، نحن فعلاً كعرب ومسلمين نعيش التناقض ولا نرى ذلك !!

    Reply

اترك رداً على yasserzareaa إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *