arablog.org

المال عندما يجلب للجهل حرفة !

اشتغلت في مستشفى خاص في عدن بعد البكالوريوس، توسّط لي صديق للعائلة لأحظى بالوظيفة بدلًا عن حياة التشرّد، يعيش كل متخرج فترة في حياته متشردًا، يصاب فيها بكل أنواع الاضطرابات النفسية و يبدل رأيه في كل الأشياء من حوله، حتى ما قضىت عمري أجاهد لأجله، بدّلتُ رأيي فيه 3 مرات في اليوم على الأقل.

بعد غربة دامت 7 سنوات و شهادة في الطب بروزتها أمي في الجدار؛ لم تكن أقصى أحلامي وظيفة في مستشفى خاص يتوسط لي فيها أحد وأحظى معها بأقل من مائة دولار كراتب، لكن هذا ما حدث، فرحت أمي بكوني سأمارس الطب لأول مرة و لم يكن يعنيها أمر النقود، أما أنا فكنت أمشي وقتها بعجلة القصور الذاتي، بلا رأي محدد، لذا كان لأمي ما أرادت.

في أول يوم طلب مدير المستشفى مقابلتي وذهبتُ إليه، وجدت أمامي رجلاً بدا من طريقته أنه عاش عمراً كاملاً في حقل ما، لم يكن حقلاً للعلم بالتأكيد، و لا حتى للتجارب أو الألغام، إنّني هنا أرجع بالكلمة إلى مكانها الطبيعي في الريف، وضع قدمًا على قدم و هو يحدثني عن مزايا العمل في مستشفاه، و ضربت كفًا بكف بعد أول استخدام لمصطلح طبي لم يفهم معناه، اكتشفتُ بشكل ثانوي أن الرجل لم يكن طبيبًا، أو ممرضًا، أو حاصلًا على أي شهادة تؤهله لإدارة مسلخة، فما بال مستشفى؟

كان غنيًّا و هذه الميزة في بلد كاليمن بإمكانها أن تضعك في أي مكان تريده.

خلال الست الأشهر في المستشفى كان الرجل يدير العمل بحزم، أعني نوع الحزم الذي يمضي بصاحبه لفصل سكرتيرة بسبب أنها ترتدي ألوانًا فاقعة و تطلي أظافرها، أما نوع الحزم المتعلق بمراقبة العمل الطبي ، ففي فمي ماء !

قيسوا على هذا !

تذكرت هذا الشيء مع صديقة في حديث عن الفضاء الإعلامي اليمني قبل أيام، كان لوجود عائلتي معي طوال الفترة التي فاتت الفضل في أن أشاهد القنوات المحلية لأول مرة منذ قرون، يا إلهي !  من أي قبر يخرج علينا مذيعو الفضائيات اليمنية و من أي كوكب يهبط معهم هذا الديكور؟

سيكون من الجيد و قد سلمنا أمر المرافق الحكومية إلى اليأس أن يبقى السؤال عن الفضائيات الخاصة معلقاً بحبل الرجاء !

كل من معه فلوس صار مديرا  و كل من معه فلوس فتح له قناة، لذا فالأمور جميعها تبدو مدعوة في حفلة الفوضى هذه كلها.

إعلامية يمنية تشاركني قصتي أعلاه و لكن بطريقة أخرى؛ إذ فصلها مدير قناة كانت تعمل مذيعة فيها بسبب أنها تعاملت مع محل للملبوسات الراقية، تلبس من عندهم في مقابل الدعايا، أمر عادي يعرفه كل من عمل في الميديا، كانت الكائن الأنيق الوحيد على الشاشة، فاعتبر مدير القناة، و هو صيدلي بالمناسبة و لديه باراشوت المال الذي يهبط معه المرء اليمني على أي مجال ، اعتبر هذا الأمر خروجاً عن شروط العمل الإعلامي، العمل الإعلامي الذي جعله المال وحده منوطاً للحديث فيه .

هذا البلد ليس بحاجة للمال وحده صدقوني ، حتى المال و هو الأمر الرئيسي للقيام بأمور رائعة ومهمة في أي مكان في الدنيا ؛ يتحول إلى نقمة في البلد التي تضع حظها في يد الجهلاء والمعاتيه .

1 Comment

  1. diprosone

    الى الغااااالية د. سناء …

    كلما ضاق بي الحال في غربتي الموحشة.. كلما ضجرت من شاشة حاسوبي.. سنوت بروحي اليك, اذهب للعُلا, اسبح كالنور في ازقة السماء قراءةً لكلماتك.. كلماتك الممتعة التي اعشقها لحدِ البكاء.
    حتى اني كلماانشغلت فترة من الوقت (في سبات تصفحي).. عادة تأتينَ انتي بعد صندوق بريدي.. لاشئ لكِ يفوتني.

    شكرا على كل فقرةٍ في مقال .. على كل سطرٍ في فقرة.. وعلى كل كلمةٍ في سطر
    لا بل على كل حرفٍ في كلمة.

    انتي رائعة جدا ولا عجبَ إن سقطتي من السماء … كم احبك يا سناء =)

    Reply

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *