تجولتُ في أحد شوارع القاهرة اليوم فوجدتها مليئة بالحلوى ” حلاوة المولد ” والعرائس ” عروس المولد”، حاولتُ أن استفسر عن أصول هذه الاحتفالات من البائعين، فتورمتُ بكمٍ هائل من المعلومات المتضاربة، رغم عدم معرفة الناس في مصر بمرجعية هذه المظاهر الاحتفائية إلاّ أنهم يصرون عليها، ذكر لي أحد الوقورين وإذ بدوت نهمة لمعرفة سر العرائس معلومة لا أعرف مدى صحتها، قال أن التقليد بدأ في عهد أحد الولاة الفاطميين إذ خرج في احتفاء بالمولد مع زوجته، كانت بارعة الجمال فتبارى النحاتون لصناعة قوالب الحلوى على هيئتها، بالذكر؛ كانت عرائس المولد تصنع بالكامل من الحلوى، تحولت الآن الى عرائس من البلاستيك تشبه صافيناز ودينا ..
كنت في مناوبتي قبل البارحة قد نسيت موعد المولد النبوي؛ إلى أن تقافز الأطفال أمامي في قسم الغدد؛ معظمهم مصابون بالسكّر، يسألون عن إمكانية السماح لهم بأكلها؛ حلاوة المولد ..
القاهرة الغارقة بـ انفلاجات الاندهاش و” يا صلاة النبي أحسن ” ، تطلع إيه ” بالصلاة ع النبي ؟ ” تطلع القاهرة ” اسم النبي حارسها “، المدينة التي إن زرتها تهللت بلكنتها الغامرة : ” ده احنا زارنا النبي “، و إن غادرتها عشمتك بـ” متجمعين عند النبي “، لا يمكن أن تفوت احتفاءً بذكرى ” حياة سيدنا النبي “، رغم الكثير من الآراء الدينية التي باتت تطل برأسها وتغرس أشواك الشبهات في “جناين” محبة المصريين لهدهدة اسم النبي في توادهم العام .
كنا في عدن أيام البهجة نقيم “الموالد” في يوم المولد النبوي، ليس على طريقة الحوثيين، ولكن على طريقة أحمد عدوية في أغنيته الشهيرة :
في المولد مراجيح وعيال..
ووشوش دراويش عمالة ..
تبوح بكلام مسموح..
وكلام مكتوب في قلوب الناس ..
ممنوع يتقال ”
أي بالمهرجانات الفرحة، كان يأتي بائعو الحلاوة الشعبية ( أتذكر منها المجلجل ) وأصحاب المراجيح و البازارت الشعبية من صبيحة يوم المولد إلى غروب الشمس، فتمتلئ الحياة بالألوان . يجتمع الناس، يلبسون الجديد، يتذكرون الأحياء والأموات، كان الصوفيون يقيمون حلقات الذكر وتعلو من المآذن الصلوات للنبي محمد، الذي كان يرعى الغنم في سهول طيبة، قبل أن يقود قريش و بني هاشم بعنجهيتهم و استعلائهم إلى دولة العدل والمساواة، حيث خطوات بلال في الجنة تسبق خطوات أبي سفيان، أي قبل أن يتحوّل أناس التصاقًا بنسبه إلى مهزلة هذا العصر .
صديقتي تصلي عليك يا رسول الله و تخبرك أن أهل الرجل الذي أحبته و أحبها رفضوا زواجه منها، و هددوه أن يغضبوا عليه إلى يوم القيامة، ليس لأنها المهندسة الجميلة ، المثقفة ، ذات العائلة الراقية ، لكن لأنها ليست هاشمية، ومثلهما الآلاف في عصر العنصرية الجديدة، عنصرية الدم والنسب ..
كل سنة والجمع بخير .