arablog.org

الذائقة السيئة أم الوعي الرديء ؟!

صبحي vs السبكي

أصبح عندي الخبرة الكافية الآن لمعرفة نوع الأطروحات التي تحشد الاهتمام والأخرى التي لا تحصد أي منه؛ خاصة في مجتمعنا المحلي ..

في يناير الماضي كنت أتحدث لراديو فرنسا الدولي مع 5 آخرين من مدوني آرابلوغ، على الجهة الأخرى كان هناك 40 مليونًا في أصقاع الأرض التي تتحدث الفرنسية يستمعون لنا، من بين كل التدوينات التي كتبتُها وحظيت باهتمام القراء المحليين اختاروا هم أقل المقالات حظًا في المتابعة على صفحتي في الفيس بوك؛ ترجموه وقرأوا فقراته للمستمعين؛ لاعتقادهم بأهميته ربما ! كان مقالًا عن الذهنية العصبوية للإنسان اليمني !

إسقاطًا على هذه الحالة؛ تضيع عشرات الأفكار الجيدة و العقول النابغة في صلف الذائقة العامة التي ترتفع حساسيتها تجاه كل “فرقعة تافهة” وتموت غرقًا في عمق أي فكرة جيدة، للدرجة التي تحتاج معها لمجهود إضافي و أرطال من المنكهات حتى تستصاغ لقمتك الثقافية قبل أن تطعمها القارئ/ المتلقي السقيم !

القراءة عندنا، ومثلها المشاهدة، والاستماع، والتلقي بشكل عام لكل عمل إبداعي مهما اختلف طابعه ليس فعلًا منفصلًا بذاته، أي أن الفكرة وحدها ليست محل الحفاوة هنا، فهو مزيج من الانطباع الشخصي، الرضا أو السخط على صاحب الفكرة أو العمل، التنقيب في الأبعاد الرباعية للنوايا، الماورائيات، توافقها أو تنافيها مع الهوى العام، إلخ

كان صديقي عمرو جمال المخرج العدني الشاب يخبرني قبل أيام عن كمية الأشياء التي “نحتها” في أعماله ولم يلق لها أي أحد بالًا، بينما كان بإمكان نكتة أو إفيه مضحك كتبه على سبيل الإضافة أو الملل أن يصنع حديث الشارع لأيام ، أخبرته تشجيعًا بأنها مسألة “حظ “..فأخبرني واثقًا بأنها مسألة “ذوق” !

استعرت لصديقتي جملة عمرو عندما تبادلنا رأينا عن فيلم “ذا بيرد مان”، حلفت لها عن قناعة أن فيلمًا كهذا لم يكن ليعيره أحد أي اهتمام لو عرض على طريق الانتاج المحلي ناهيك عن أن يعطيه أوسكارًا؛ أخبرتها بأنها مسألة ذوق! بينما كان رأيها أنها مسألة “وعي”!

تذكرت هذا كله الآن و أنا أقرأ خبرًا عن انسحاب محمد صبحي الفنان المصري القدير من حفل أقيم لتكريمه عندما اكتشف أن “السّبكي” المنتج المصري ذائع الصيت، سيكرم في نفس المحفل ، أتذكر بأن صديقتي حدثتني ذات مرة عن لقاء لمنتدى المثقف العربي عقد في القاهرة حضره صبحي وقام فيه للحديث؛ انبهر الناس حد الهوس بمستوى ثقافة الرجل للدرجة التي لم يستطع أحد أن يقوم بعده للكلام، صبحي الآن ممثل ومؤلف شبه معتزل، بينما السبكي يصنع امبراطورية سينمائية كارثية بملايين الملايين من الدولارات، ومن الصعب على أحدٍ منا أن يعرف من أكرمه بها في هذا الزمن الأغبر: ” الذائقة السيئة ” أم “الوعي الرديء ” !!

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *