arablog.org

عن صمود الجبهة الداخلية لعدن | 01

صمود أسطوري
معظم المتطوعين في مستشفيات عدن ليسوا ممرضين ولا أطباء ولكن الواجب الإنساني دفعهم لأن يخرجوا ويتطوعوا ” يقول مازن، المهندس الذي دفعه وضع مدينته لأن يتحول إلى رجل إنقاذ يجوب الشوارع ويجمع التبرعات والإعانات للمتضررين، وهو واحد من عشرات الآلاف من شباب المدينة الذين تركوا مقاعد العمل والدراسة والتحقوا بصفوف المقاومين،
“كلٍ يشارك في الدفاع عن مدينته بطريقته” يردف مازن .

رحنا نجوب شوارع المدينة الساحلية التي تحولت منذ 3 أسابيع إلى أهم معاقل المقاومة الشعبية الجنوبية في وجه جحافل الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، رأينا مالم نره في أي مكان آخر في العالم، شباب وأطفال ونساء في الشوارع وسط القصف يقومون بما يقولون أنه “واجبهم”، الأطفال يكنسون الحواري عقب القصف، نساء يوزعن الماء والعصير والوجبات على المقاومين، مساجد تكبر وترفع من عزيمة الناس، ورجال بأسلحتهم الشخصية يقفون في وجه المدرعات والمجنزرات بلا أدنى رهبة أو خوف.

” نمر من جانب نقاط المقاومة ونمد للمقاومين بالبسكويت والماء والوجبات الخفيفة فيمتنعون ويشيرون إلينا بنقاط أخرى قد لا تكون وصلتها إمدادات”، يقول أحد المتطوعين وقد رفع صوته وضرب على صدره ” هنا عدن ” .
صمود اسطوري3
في مشهد آخر كانت إحدى المتطوعات تفترش أرضية مستشفى 22مايو الحكومي في الأطراف الشرقية لمدينة عدن، بدا وقد نال منها التعب، سألناها عن دورها، قالت:” أجيت أساعد باللي أقدر عليه”، عن عملها قالت أنها تدرس تخصص الخدمة الاجتماعية، عن دوافعها ردت باختصار ” لو مش اليوم .. متى؟”
راحت تبحث عن شيء في هاتفها ولما أن وجدته سلمته لي ” اقروا دي وبتعرفوا”، قالت .
على الشاشة كان هذا النص :

إحدى المتطوعات في الطوارئ، الضحكة لا تفارق وجهها، تساعد جميع المرضى، تساند كل زملائها من المتطوعي،تجلس في المستشفى لأكثر من 48 ساعة متواصلة، اليوم اكتشفت أنها أم لثلاثة اطفال، وأنها مصابة بسرطان في الدماغ في مرحلة متاخرة.
سالتها ليش انتِ هنا ليش ما تتعالجي
قالت : “إمكاناتي المادية ما كانت تسمح بعلاجي وأنا عارفة ايش بيقولوا الاطباء،خليني اعمل خير بآخر أيامي”
طبعا وهي مبتسمة وتضحك وتتلاكع كمان”..

أعدتُ لها الهاتف وقد امتلأت نفوسنا بشعور غريب لا يمكن توصيفه.

صمود اسطوري 2

في مطلع الأسبوع كان طيران التحالف يقصف قصر المعاشق الرئاسي الذي تحول إلى ثكنة تحتمي فيها القوات التي طردتها المقاومة من المعسكرات المحاذية، كان فرار الجحافل هائلًا وتسربت هذه القوات إلى الأحياء المجاورة في مدينة كريتر، أهم مديريات عدن ومركزها التجاري..

“خرجت كريتر عن بكرة أبيها تتصدى لهم” قالت امرأة مسنة في مجمع القطيع الطبي حيث كان الوضع رهيبًا، عشرات الجرحى يقابلهم عشرات المسعفين وعشرات الأهالي المحليين، كانت تلك المرأة تجلس بجوار أحد الأسرّة وتبتهل بالدعاء لمن أسمتهم الأبطال، وراحت تتحدث عن قصص هؤلاء المقاومين الأشاوس، كان منهم ابنها الذي أصابت طلقة قدمه، حدثتنا عن قصة هاشم، الفتى ذو الـ 19 ربيعًا، الذي ذاع صيته في المدينة كواحد من أجدر أبطالها، هاشم ضحى بنفسه في سبيل أمان حيّة الذي يقطنه في المعلا، كانت الدبابة تقصف الأحياء السكنية و تروّع المدنيين، لم يستطع المقاومون المحليون بأسلحتهم إثناء هذه القوة العسكرية المدربة فلم يجد هاشم أمامه من بد إلا أن يربط القنابل في خاصرته ويرمي بنفسه فوق هذه الدبابة لتنفجر به و بمن فيها .
هاشم

مشاهد تتلوها مشاهد تثبت لنا كل يوم ان عدن قوية بطريقتها الخاصة، المدينة التي كانت وجهة للسلام والتعايش والتنوع الثقافي والعرقي والديني بكل أشكاله تقف بكل أطيافها سدًا منيعًا ضد الهمجية والطائفية والتخلف.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *