arablog.org

ترفٌ عاطفيٌ !

جدتي

أشعر بالحزن منذ الصباح إذ أني لم أختبر شعورَ أن يكون لي جدّة !

أحب الكبيرات في السن وأطرب لحكاويهن، أرى محبة أمي لحفيدها فأشعر بالغبن إذ أني حبوتي من هكذا محبة الآن ضربٌ من التمني المستحيل. رأيتُ جدتي لأبي مرتين في حياتي، ولم أرَ جدتي لأمي لأنها ماتت قبل ولادتي بكثير، جدي لأمي أيضًا توفي قبل وجودنا، وجدي لأبي حكاية لوحدة، حكاية بعيدة عن عالم الأجداد والجدات.

نعم إنه عالم “الفضاوة” يحيلني الآن إلى مشاعر غريبة، أن تجدَ نفسك فجأة بعد ضغط عمل مروّع ؛مطلقُ العنان لفضاءاتٍ شاسعةٍ من ساعات الراحة فتبدأ في تخليق نصيبك من الترف العاطفي، أليستْ عاطفة المرء ترتبط عكسيًا بمعرفته للحقائق؟ أو كما قال راسل! أي ولمزيد من تعريف الترف العاطفي أصدقائي فهو أي مشاعر بعيدة عن “قلق العمل”، إلاّ ما تجاوزه نحو الفجيعة.

لماذا نحب الجدّات إذن؟
لأنهن لطيفات وحنونات ولئيمات و ماضويات وتاريخ أليق يتجوّل بعد الغربلة ومثالية زائفة وجنون لايحاسب وحكاوٍ لا تنقطع وحياة كاملة من الطيبة والتفكير المعاكس، وتعنت العارف المشاكس، والطفولة الكبيرة والجمال، الجمال الخارجي المخدوش بخطوطِ الكثيرِ من الجمال الداخلي.

رأيتُ كبيرة في السن قبل فترة في محلٍ للأحذية، كنت أجرب حذاءً بكعبٍ عالٍ، ولمّا أن وقع اختياري عليه حتى نادتني من بعيد وأنا أهم بدفع الثمن، ذهبت متعجبة فأجلستني لتروي لي حكايتها مع الأحذية وكيف كن في زمانهن أنيقات وكيف أنها في عمر السبعين الآن تندم لأنها تعاني من آلام المفاصل، طلبتْ بحزم أن أرجع الحذاء و استبدله بآخر مريح .حاولت أن أفهمها بأني سأكون ممتنة للقدر أيما امتنان إن أطال في عمري للسبعين وأهداني آلامًا في المفاصل عوضًا!
هشّتني من أمامها كالذبابة وراحت تزمجر بأشياء فهمت منها : “جيل عاصي”

رحت عنها ودفعت ثمن حذائي الأثير، ومررت من جنبها، قبلت رأسها ووضعت في أذنها دعواتي بطول العمر ولم أنسَ بالطبع أن أقنعها بأننا “جيل عادي ” .

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *