arablog.org

من هو البخيل ؟

تاكسي

أوقفتُ سيارة أجرة بغرض التوجه لمنزلي بعد يوم صعب و ظهيرة حارّة مفترسة، فتحتُ باب السيارة الخلفي وأغلقته كالعادة فإذا بالسائق ينتفض :

– إيه ده .. إنتي بترزعي الباب كده ليه؟ دي العربيّة لسه جديدة !!
– (باستغراب) والله ما رزعت حاجة والعربيّة أهيه صاغ سليم.. حصل لها حاجة؟؟
– مش هيحصل دلوقتي، لما انتي ترزعي الباب وهو يرزع و هي ترزع خلاص هتبوز.. عاوزاني استنى لحد ماتبوز ؟
– يا عم حقك عليا.. ولو بازت هصلحهالك .. امشي بقى.

أخذ يقود في زحام القاهرة المجنون، في كلِ لحظةِ انتظارٍ؛ يطفيء محرك السيارة ويعود لتشغيله كلما تحرك موج السيارات الممدود بلا جزْر. بدا وكأن الوقت لن ينتهي، والشمس تغدق بسخاء على الشواء البشري الهائل تحتها..

– ممكن تولع التكييف بعد إذنك، الدنيا موت .
– لا لا لا .. تكييف إيه ؟ ده بيكلّف جامد، مفيش غاز كفاية ..مش هنوصل كده.
– هنوصل صدقني، مش قليل اللي وفرته وانت بتطفي العربية كل شويه
– استنى يعني لما يخلص البنزيم ونقعد نلطم ف الشارع؟
– انت ما بتعبّيش بنزين كفاية ليه طيب؟ ده انت سايق تاكس يعني.
– بعبي، بس لما انتي تطلبي تكييف وهو يطلب تكييف وهي تطلب تكييف ، هيخرب، وبعدين ده حتى الغاز اللي ف البلد كلها مش هيقضي.
– ياعم حقك علينا خلاص مش عايزين تكييف.. سوق وانت ساكت.

بعد أن انتهينا إلى مكان خفيفَ الازدحام ِوتنفستُ الصعداء أملًا في الوصول الوشيك؛ وجدتُ السائق يطفئ المحرك مرة أخرى ويركن بالسيارة في جهة ما، استأذنني في قضاء حاجة له ولم يمهلني أنبسُّ ببنت شفة حتى ابتعد؛ غاب و بالغ في الغياب، مرتْ أولى الدقيقتين، ثم ثلاث، ثم أربع، بعد رُبع ساعة أطلَّ مستبشرًا.

– ينفع كده ؟، قلتُ.
– حقك عليا واللهي كنت هموت م العطش. رحت أشرب م الجامِع.
– طب مفي كشك ع الشارع أهو هنا؛ كنت تجيب منه اللي انت عاوزه.
– اشتري ميّة؟ ميّة ؟ ليه لما ممكن أشرب ببلاش؟
– اسمحلي إنتَ حد بخيل جدًا، مفيش زي كده !
– بتقولي بخيل ؟ وربنا ولا بخيل ولاحاجة، لما انتي تشتري مية و هو يشتري مية وأنا اشتري المية ، بكره يبيعولنا الهوا .. وهنشتريه كمان. ونقعد بهدها نشتكي انهم بيستغلونا.
– ياربي .. خلينا نوصل بس.
– انت بتشتغلي إيه ؟
– دكتورة
– ماشاء الله ..دكتورة إيه ؟
– أطفال
– تعرفي تقوليلي مين أحسن دكتور ؟
– عاوز اسم يعني؟؟ وتخصص إيه؟ في دكاترة كتير كويسين .
– لا مش اسم، مين هو أحسن دكتور بشكل عام.
– اللي عنده ضمير
– ممكن .. تعرفي لو سألتيني نفس السؤال هقولك إيه !
– إيه ؟
– اللي بيمنع المرض، بتاع الوقاية خير من العلاج يعني، بعده بدرجة ييجي اللي بيعالج المرض، بعده بمرتبة اللي بيعالج العرض، بعده في الأخير الدكتور اللي بيعالج المضاعفات. الدكتور المرقّعاتي.
– يا سلام! نظرية برضه.
– في مصر بقه في تمانين مليون دكتور خايب.
– لا مش للدرجادي.. وبعدين مفيش 80 مليون دكتور ف مصر أصلًا؟
– كلنا دكاترة يا دوك.. احنا كلنا ما بنهتمش غير لما المضاعفات تحصل ونقعد نحاول نصلح الخراب، محدش بيحاول يحافظ ع الحاجة السليمة. وقدامك أهو الحريص بتسموه بخيل ومابيسلمش م التريأة.

غرقنا في صمت بليغ طوال المتبقي من الطريق، و وجدتني لأول مرة أسأل نفسي “من هو البخيل ؟ لعلي أعيدُ تعريفَ “البديهيات”.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *