arablog.org

مجهولون يحرقون أقدم كنائس عدن.

رحلة في ذاكرة الزمكان .

كنيسة2

في مايو 2012 تلقيتُ مكالمة من الصديق العزيز عمرو جمال؛ كان يسأل إن كان بإمكاني مشاركتهم في مشروعهم الجليل لتوثيق شواهد عدن الحضارية بعيون أبنائها الشباب، لم أتردد دقيقة في الموافقة.. سألني إن كنت أريد أن أظهر مروّجة أثرًا أو موقعًا معينًا لأتحدث عنه أمام كاميراه المبدعة، لم أتردد هذه المرة أيضًا واخترتُ على الفور : “كنائس” عدن.

اتفقنا على الموعد وفي صبيحة ذلك اليوم كان في استقبالنا “البابا فرذاس”، وهو الهندي الذي عمل لأكثر من 38 عامًا راهبًا متنقلًا يشرف على المعمودية المسيحية في الشرق، كانت كنيسة البادري “سانت جوزيف” وهي الأقدم من بين جميع كنائس عدن (1850م) وجهتنا الأولى..
لم أتخيل روعة وجمال المكان إلا ّحينما وقعت عيني عليه، بكل زخارفه وروحانيته وهدوء جانبه القابع في قلب عدن؛ العاصمة الكوزموبوليتانية المسالمة المسلمة..كان المكان يشهد إصلاحات وترميمات، تضيف إلى جماله جمالًا، وكان البابا فرذاس يفرد صفيحته زهوًا وهو يحدثنا، يوزع ابتساماته الودودة بيننا وبين الشباب العدني “المسلم” المتفاني في البناء والترميم.
جزءٌ كبيرٌ من الكنيسة تحوّل إلى مدرسة أروى، وهي نفس المدرسة التي تم تخصيصها لتدريس الراهبات، تخرجتْ منها نصف فتيات عدن بعد ذلك الوقت ليس بكثير.

غادرنا كريتر بسيارة الفاذر فرذاس، و كان يقودها مساعده الـ ” أثيوبي”، أسرّني كيف أنهم جميعهم كانوا يمارسون الحياة في عدن بكل أريحية؛ دون أي حراسة أو قلق، ركبنا ثلاثتنا : “عمرو، ياسر عبدالباقي وأنا” مع البابا ومساعده و توجهنا إلى كنيسة التواهي الواقعة في البنجسار، كانت المساحة كبيرة، اقتسم جزءها الأمامي مجموعة عيادات تُقدّم خدمات مجانية تطوعية للمواطنين “المسلمين” من أبناء المنطقة. دلفنا إلى داخل الكنيسة،الراهبات كنّ يتجولن بلباسهن المميز، وتؤدتهن الخجولة، معظمهن هنديات، قُدمت لنا أقداح المياة المعبّقة، وفُتحت لنا القاعات بلا أي رقيب، التقطنا الصور في البهو ذي السقف المبهر، واستهوانا العزف على البيانو الضخم الموضوع في طرف الغرفة.

في التواهي أيضًا، كان النهار يغادر حين وصلنا كنيسة “سانت آنتوني” ، استقبلتنا كلاب البابا فرداس وفيرة الشعر ودودة المعشر، صعدنا إلى الكنيسة بقاعتيها الكبيرتين، ثم تسلقنا إلى السقف حيث ظهرت لنا التواهي كقطعة من الجنة، تعبقنا هواء عدن وسلامها، ثم توجهنا مع بابا فرذاس إلى مساكن الرهبان والراهبات، شديدة التنظيم والنظافة، على الحوائط بين الممرات كانت الصور معلقة للرهبان المتعاقبين والباباوات و القساوسة الذين عاشوا في عدن، التي كانت تعتبر المركز الرئيس للكنيسة الكاثوليكية في الجزيرة العربية، قبل ينتقل هذا المركز إلى دبي، بدا الحزن والوجوم على وجه البابا فرداس حينما قال إنه سيغادر عدن إلى بومباي بعد أسبوع!

قدم لنا الـ بانانا شيبسي، وحلاوة اللدو! كان يصّر على الغذاء و لكن التعب كان قد بلغ مبلغه منا، فقررنا المضي بعد يوم لن ينسى !
ـــــــــــــــــــــــــ
من الجيد أن نذكّر إنه بعدما نهبت الميليشيا الحوثية وهمج صالح الكنائس أعلاه ورفعوا من على منابرها الزوامل، أحرقت بقاياهم المهووسة كنيسة البادري البارحة في محاولة بائسة لتدنيس وجه عدن وصفتها المسالمة المتعايشة ..

ومن الأجود أن يعرف الناس أنه لازالت هناك ثلاث عائلات عدنية تدين بالمسيحية، كانوا يمارسون شعائرهم في هذه الكنائس مثلما كان يمارسها الوافدون على المدينة الكونية،ونحن جميعًا بإمكاننا أن “نتحوّلهم” دفاعًا عن حقهم في العيش كعدنيين آمنين، ليقتسموا معنا حقهم في هواء عدن و ماءها وترابها، والأهم في كنيسة“تعدّدها” !

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *